الأحد، 10 يناير 2021


 *م

*اسم المقال: هي الحكاية

*مدى المقال: قصير.

*نوع المقال: أدبي.

*رقم المقال المصحف أدبيًّا: 4

 تاريخ النّشر: 2.2.3 أدبي.

جميع الحقوق محفوظة لصحيفة الأدب وتُمنح بشرط ذكر المصدر©.

_______________________


  لكلِ بدايةٍ حكاية يعرفها صاحب الخطوة الأولى؛ وأنا أعلم جيدًّا أن وجودي بهذا الوقت له حكاية لن تنتهي، في اليوم الذي صادفت فيه إعلانًا مميزًا عن فرصةٍ للكتابة والتبحر في فضاء الحروف -لم أتردد- قدمت نيتي وحماسي، وفي أيام تكللت بالإصرار بدأتُ مشواري الجديد، أُنقب في أعماق مخيلتي، أشاور سريرتي وأعقد إتفاقًا مع قلبي كلما سطرتُ عنوانًا، أجد التلاعب بالمعاني ساحرًا، يسعدني بمجرد تفكيري بالسكون والضم، هكذا تبدو رحلتي الطويلة، تدفعني إلى المغامرة والتجربة، تجربة من نوعٍ آخاذ، لا يشبه الطرق القديمة إلا بلونها، نعم إنَّه لون الحبر الذي يلون دواخلي، يعطر يمناي، يُشرق ببشرياتِ الوجود، ويهندم بعثرة التعب.

حكايتي رسالة لها ركائز، بباطن الأرض المعادن وبعقلي ما هو نفيس ونادر، يأتي الصباح ليخبرني أن خيوطه لن تتبدد، وأن شمسه شامخة، للغيب أمر نافذ وللحلم محطات كثيرة، تصحبنا الحقيقة إلى تفاصيلنا ويقحمنا الواقع في امتحاناته، كبواتنا وانتصاراتنا تشهد لنا، بالصبر والتفاني، بالقوة والتحدي، ونشهد للزمان بالتسارع والتذبذب، تارة تأخذنا عقاربه إلى الهاوية، وتزفرنا أمواجه بعيدًا، وتبتلعنا أفواهه الغاضبة.

   هي الحكاية، بأبعادها الحادة واليانعة، تُفتح أعيننا على أفاقٍ مفعمة بالحياة، الحياة التي تزيدنا نضجًا كلما خطونا نحو أنفاسنا المكتوبة، وتشيبنا دروسًا من الدمع والضجر، لكننا ما زلنا ننتظر فرصتنا، لنستمر، ولأستمر في حكايتي، أكتب وأكمل رحلتي بهذه الفانية، أحمل أعلام نفسي الحالمة، وأكبت همس مخاوفي حتى لا تهزمني وأغرق بها، سأستمر لأن البداية كانت تستحق مني التعب، وعلى هذه الأرض ما يستحق الكفاح، وعلى أرض الحرف حكاية تضاهي حيواتنا نهجًا ونبراسًا، لنكتب، لنعرف مَنْ نحن، وما هي حكايتنا.


الأحد، 3 يناير 2021

 



 *م 
اسم المقال: على هامش الصبر
 مدى المقال: قصير.
 نوع المقال: أدبي.
 رقم المقال المصحف أدبيًّا:  A33.4
 تاريخ النّشر: 2.1.25 أدبي.
منصة الرفع: صحيفة الأدب.

جميع الحقوق محفوظة لصحيفة الأدب وتُمنح بشرط ذكر المصدر©.
________________________________________


دوامة من الأسرار المتحاذقة، متاهة من الأسئلة والأجوبة الناقصة، هروبٌ ذكي من ضفة الخلاص، وما بين الشمس ومغيبها ألاف القصص المبتورة من شقاء الكادحين.
يحدث أن تتفاوت المسافة منحرفةً عن مسارِ الحقائق والحدود، بينما قُربك من منالك يَستهلك ما تبقى من صمود؛ الحكاية كل يومٍ تنقص بطلًا، وتتبدل الأدوار من عتيقة إلى هزيلةٍ ذليلة، ثم  إلى أين؟! أنظمة وخطط محشوةً بالخبث والفتن، على عاتقنا لوم الأيام، وضحالة التاريخ، ما يعيبنا أننا ما زلنا في صمتنا الطويل، وفكرنا الأعمى، نرى السواد في كل مكان ونجعله ينتصر على صفاء النوايا لنُهزم نحن على حساب الكرامة.
  ما يجعلك تبكي بداخلك دمًا أن الكون يدور بالمصالح و أكف الميزان مائلة عن الحق والصلاح، وخالق الميزان يرانا نطعن في بعضنا، نعطي أولوية الكلمة للظلم ونراهن على نزاهتنا المهترئة، نُصرح بشهامةٍ ملفقة، وندور حول دائرة ضالة، زواياها تُقاس بالفوضى والفتات، وكل مَنْ هو خارجها يُنعتْ بالتخلف والانحطاط.
السؤال الذي يطرح نفسه كل حينٍ: مَنْ الذي سيفوز بالقمة؟ أو فلنقل: مَنْ الفائز بالتحضر والفخامة؟ نحن؟! أم الوهم الذي يُسيطر على العقول والأجيال القادمة، ما زال الطريق أمامي غير واضحٍ، أرى البعيد قريبا والغريب مألوفًا، وما بداخلي ألغاز وطلاسم، تُبحر برأسي وتصفع أعصاب ناصيتي الكاذبة، تمحص ذكرياتي وخلفيتي عن المستقبل، فلا أجد إلا جملة قصيرة: "لا  توجد نتيجة"، ماذا؟! هل فشلت؟ ولا رجاء من هذا العالم! إذن فلتكن النهاية مثمرة بأي شيء، هكذا سمعت صوت ضميري يناجيني: "فلتكن نهايتك مثمرة".
سأحاول أن أثمر علَّ هذا العراك يضحي بغروره وينهزم، علَّنا ننتصر على هذه الترهات، ولعلَّ للغدِ بصيرة بالغة، تُعلمنا كيف نبدأ من جديدٍ، نُرمم حطام ما تبقى منا، نكتب ما نحلم به بفخرٍ، ونزداد شموخًا لأننا ما زلنا هنا -بهذه الأرض- نحاول أن نبني إنسانيتنا.

الجمعة، 28 أغسطس 2020








 *م 
اسم المقال: قرطاس السمو(بمناسبة اليوم العالمي للكاتبة العربية).
 مدى المقال: متوسط.
 نوع المقال: أدبي.
 رقم المقال المصحفة أدبيًّا:  A33.3
 تاريخ النّشر: 1.6.6 أدبي.
منصة الرفع: صحيفة الأدب.

جميع الحقوق محفوظة لصحيفة الأدب وتُمنح بشرط ذكر المصدر©.
_________________________________


حُرةٌ مثل خيوطِ الشمسِ العَتِيْقة، مُثابرة ٌكشعاعٍ عنيدٍ أَولجتْهُ طيّاتُ القَدرِ، مُفْعَمَةٌ بالعطاءِ والحيوية، لا تُشبه جُنح الليل المعتم، فقط تضاهي أعين الصباح بهجةً ومسرّةً، في قلبها حبرٌ ينبض بسخاء، وعلى أفكارها ينابيع من التغيير، هي كما هي شامخة القامة والوجود، مولعةٌ بشغف التجدد والعزم، وكلها حياء وثقة، هي كاتبة بمثابة حياة أخرى تستحق أن تعاش بنَهَمِ السلام والإلفة. على سماء الأحلام والسعي، نتسابق إلى حدود بعيدة، لا تحفها زوايا النهايات، ولا تتخللها أواصر اليأس، نحن بكل عنفوانِ الظروف نكتب لحظات الصبر والمعاناة، نُصور الدمع بعدسةٍ الغد، لنبني جسرًا من الإصرار والقوة، هكذا عهدنا يراعنا وهكذا سنظل نَعُد خطى تقدمنا نحو مبتغى الوصول. طرقات الحلم شائكة التفاصيل، تُدمي أقدام كل حالم لكن! تبقى هنالك تفصيلة شاذة، تنير مسارب الفؤاد وكينونة العقل، ذلك العقل الذي تعود على زجر الهوامش وتطهير شوائب الفكرة، ولطالما وجدنا أن الفرق بين اليقظة والحلم كبير للغاية فكل حلم نَيّر تتبعه هالة من يقظة المستقبل كأن القدر يخبرنا أن أيات الفشل والرجوع ضئيلة أمام جهدنا وسؤالنا عن الطريق، وما زلنا نكتب كالبارحة وسنظل نوهب صفحاتنا الحياة. قِيّل أنها بلا جدوى، كلماتها بلا وهج، وأسلوبها رث ومتهالك، فجاءت ببينةٍ ألجمت أصوات قولهم المحطم لكيانها، أثبتت أنها قادرة على خلق أبجدية تحمل بصمتها، تستطيع هزيمة شكوكهم الغادرة، ويمكنها أن تنهض بسرعة بعد كل كبوةٍ وتعثر؛ ها هي الآن تحلق بمفرداتها في فضاء الإبداع، تنشر أدبها على قرطاس السمو، رسالتها الخُلق الطيب، والآثر العظيم، لا تطمع إلى قلائد المظهر، ولا تهمها أضواء العراء، يزيدها فخرًا أنها كاتبة ذات قلم حر، قضيته الإنسان وعقيدته الحَقَّة، ونظرته ثاقبةً إلى آخرِ حرفٍ تستنطقه محابرُ الحياة.


    الأربعاء، 22 أبريل 2020


    اسم القصة: انعكاس صاخب.
    مدى القصة: قصيرة.
    منصة الرفع: صحيفة الأدب.
    رقم القصة المصحفة أدبيا:A33.2
    تاريخ الرفع: 1.4.20أدبي
    جميع الحقوق محفوظة لصحيفة الأدب وتمنح بشرط ذكر المصدر©.
    ____________________________


    الجزء الأول:

    1. على أعتابِ محطاتي المكتظة بالحكايات تذكرتُ ملامح الحياة وصوت خطواتي، تؤكأتُ على صور الماضي علّها تسند ظلي الهزيل، انتظرت لحظة تجلي الأمل لأنشد ما بداخلي على عالم الأحلام، استوقفتني لوحة بيضاء مضيئة كالمصابيح الحالمة، تفاصيلها عميقة الوقع والدهشة، ويكأنها ينبوع من حكمةٍ وتأمل، أخذتني إلى بادئة حروفي النَيِّرَة بكل ما فيها من أسرار ووضوح، وجدتني لا أشبه نفسي التي أنا عليها الأن، مختلفة إلى حد الشك والريبة، كأن المرآة تكذب أو أن بؤبؤ عيني أصابه الطشاش، وما بين الحقيقة والظلال هناك انعكاس غريب يوحي بأشياءٍ أشد غرابة، تبعث داخل أنفاسي الصمت، ثم تبغض كل ما هو فوق الهمس، ويبقى الكلام في كهفه جامدًا لا يطالب بحريته، كلما نادته الحبال الصوتية اهتزَّ دون جدوى، يغتاظ من عجزه ثم يقبع داخل الحروف بسكينةٍ مهزومة، كشجرةٍ واقفة على أرضٍ قاحلة، مليئة بالكبت والجفاف.
    من جانبٍ أخر أجد الطريق أمام توقعاتي سالكة، كالسماء الزرقاء منبسطة ونقية، تسر كل ناظرٍ يحتاجُ التحليق في فضاءاتِ الحياة، هكذا هي نظرتي دون مرآة الأوهام، هكذا أنا، ببساطة أحتاج المساحات الرحيبة، أريد معانقة الهواء، أود لو سامرتني النجوم واصطحبني القمر إليه، أتمنى أن أعيش حياة أخرى بين الأوراق والحبر، بين الدعاء والمناجاة، علني أنجو بسبب دمعة صادقة نزلت لتغسل بعض معاناتي، ولتكتبني على صفحات جديدة، لا تعرف وأد الكلمات، ولا بتر الأصوات الحبيسة، صفحات بطعم الروح والأفئدة الطاهرة، تسهر فقط لتستغفر عناء النهار، فتنام دون خوف وقلق، دون وسوسة وخيالات؛ هكذا أريد صفحات أيامي لأنني مللت معاركي مع المرآة.

    الاثنين، 6 يناير 2020

       
    ____________________

    *العنوان: كيد أعظم

    *مدى القصة: قصة قصيرة

    *منصة الرفع: مدونة صحيفة الأدب

    *رقم القصة المصحفة أدبيا: 1.A33

    جميع الحقوق  محفوظة لصحيفة الأدب، وممنوحة بشرط ذكر المصدر©.

    _____________________________________________





    *الجزء الأول


    عبر نافذة صغيرة، أرى لمعان الشمس يتسربل الى داخل مكاني الضيق المُظلم، أنهض بخمول لأنفض غطائي الخفيف، أمارس بعض التمارين الرياضية الخفيفة حتى أمتص بعض الحيوية من صباح النافذة، الحياة من حولي شبه متجمدة، أحاول أن أنظر عبر النافذة العالية لأرى ما يوجد خارج عالمي الصغير، أحاول كثيرًا، لكن قامتي القصيرة تحول بيني وبين فضولي المتواصل، أتناول كأسي المتسخ لأشرب من قِدر الماء الفخاري، فأجده فارغ الا من بعض القطرات التي لا تصل الى جوف عصفور صغير، أفكر بحماقةٍ أن أُهشم القِدر بالكأس، لكن سرعان ما أتراجع فأتخيل صورتي والظمأ يجعد تفاصيلي بالشحوب والجفاف، أراني بعمرِ المائةِ بعد الألف في نفسِ المكان، كأن السنين  تتسابق الى دواخلي وتفوز بصفعي وسقوطي المضطرب، كأنها تستهويني الى شغار الشقاء العميق، وتستقطب  أطرافي لتجذبها الى سالب الضياع، لا أعرف تاريخ اليوم والأمس، ولا أفرق بين أحد وجمعة، مضى وقت طويل منذ أن امتلأت الجدران الأربعة بنقش التواريخ عليها، منذ قدومي الى هذا المكان، مضى وقت طويل وأنا أحاول الوصول الى السقف لأكتب عليه بعض الملاحظات الهامة، حتى لا تغدر بي ذاكرتي وأتوه عنها، نسيت طعم خيوط الشمس على عيني، نسيت حلاوة الغروب الساحرة، مُحيت كل الصور التي اكتنزتها في مهجتي الذابلة، وتلاشت وعود مَنْ أعرفهم بالهجرِ والجفاء . 
    كل يوم بعد استيقاظي بفترة لا أستطيع تحديدها، يتزحلق اناء صغير عبر فتحة صغيرة تحت باب الغرفة ، إناء  به بعض الطعام السيء لكن لا بأس به، وقارورة بها ماء صافي، كان الماء نقيًا كدمعِ أمي عندما تفرح وتبتهل شكرًا وامتنانًا، وكالجدول الصغير في قريتنا الصغيرة حيث يتبادل العشاق عنده أشواقهم وأسرار نظراتهم الشَبِقَة، أتناول ذلك الطعام وأشرب الماء حتى أطفئ  نيران العطش، وبعدها يتنشط عقلي وابدأ التفكير بالسمو الزائف والمبادئ الهلامية، اسأل عن قصص أهل الكهف وسنين سباتهم الطويل، اسأل عن ابتسامة الموناليزا، وريشة دافنشي التي تمنيت أن يرسمني ويفضح لوني الوثير، اسأل عن قصة  سمعتها من شيخ كبير ذات طفولة، تلك القصة التي جعلتني أكتشف أسرار الايمان وكيف تشتبه اعتقاداتنا بالباطل والبهتان؛ أريد أن اسأل نفسي كثيرًا، عن الأسباب التي ساقتني الى هذا المكان، الذي لا يذكرني الا بليالِ العويل والخسوف، أخاف أن أصرخ فيرتد الصدى ممزقًا أذناي، أخاف أن أبكي فتغرقني دموعي، أخاف أن أحطم الجدران من حولي، فتحطمني هي بصلابتها وصبرها، أخاف كل شيء، عدا أصوات الصراصير، والجرذان التي تشكرني بعد أكلها لفتات الخبز المتبقي من الصحن الصغير. 
    يأتي الليل ولا أدركه الا بعد اختفاء أثر النافذة الصغيرة، اتمدد على فراشي الحزين، أسمعه يئن بهمسٍ فتنتح جراحي مع كل أنين وولوع، تنهمر أدمعي وأنا استرجع لحظاتي الجميلة قبل هذا المكان المميت، تتسمم أحلامي بالتوجع، فأعض نواجذي ألمًا واحتراقًا حتى أنام، وأغوص في أواصر الغربة الهزيلة داخلي لأجد الجدران الأربعة تعانقني حتى أكاد ألفظ أنفاسي، أقاوم شفقتها المبتذلة بكل أوازن المعاناة، وانتصر عليها فتتركني لتعود الى زواياها حتى تحاصرني مجددًا بمساحتها وبؤسها.
    يأتي الصباح ككل الصباحات الغابرة، يتجدد التاريخ الذي لا علم لي به، أبحث عن قرطاس لأخبره أن الروح توحلت في نبضها واعتادت النفي والاضطهاد، لأسمعه قيثارة الليل الظالم وهي تعزفني بشتى الأوتار والتوزيع، أريد أن أجد الطريق الى ذاتي وألحق بظلي البعيد، أريد أن أنهض وأرى الشمس تناديني لأصرخ وأغفو قربها.



    *الجزء الثاني
    تاريخ الرفع 21/1/2020
    الموافق عدديا: 1.1.12 أدبي.

    أشتاق الى أمي واخوتي وزوايا منزلي، أشتاق الى غرفتي الجميلة بألوانها الزهرية وسقفها الأزرق، أحتاج الى نزهة بزورق صغير برفقة الهدوء، أحتاج الى جلسة هنيئة مع صديقاتي بغرفتي ونتبادل بعض أخبار الحارة وأناقة المنازل وديكوراتها ، أحتاج أن أقف حائرة أمام خزانتي لاختيار فستان جميل لأذهب الى ندوة فكرية تتناول سحر الأدب وثراء اللغة، أحتاج أن أعيش لحظة الاعلان عن مسابقة التميز السنوي في مدرستي وأتوتر حتى يعلن إسمي، أنا الأن أحتاجني بكل تفاصيلي وعيوبي، أنا الأن ألعن الجمال والفتنة، أكره طرقات التحدي، أبغضُ الألوان في عيني، ألوم عقلي النابغ الذي أرشدني الي بلاد غير بلادي، أرشدني الي البحث والتقدم في التنقيب عن بحور المعرفة، ألوم إصراري الذي جعلني متفوقة في كل مراحلي الدراسية، ألوم فضولي البوليسي الذي جرني الي متاهات السياسية العمياء، ألوم الكتب والمراجع التي أهدتني عداوة وحقد أقرب الأصدقاء، وربما عداوة من كنت أظنها أختًا، حتى تنافسنا ذات جدارة، على مقاعد فخمة تتطلب الكفاءة والحنكة، تنافسنا حتى وقع الاختيار على اسمي، فحدث ما لم يكن في الحسبان، أذكر في يوم كنت أحسبه فائق الدهشة حيث الأضواء والورود الزاهية وصناديق الهدايا، كان احتفالًا بفوزي بالمنصب المرموق، يوم زُين بوجود الأصدقاء الذين تعرفت عليهم في ذلك البلد الغريب، كنت سعيدة لرؤيتهم يشاركونني نصري وإنجازي، سعدنا كثيرًا في ذلك اليوم لساعاتٍ طويلة، انتهى الحفل بمغادرة الجميع الا صديقتي التي نافستني على المنصب، أذكر أنهت كانت سعيدة لأجلي أو هذا ما حسبته، بدأت تهنئتي بكلماتٍ غريبة عجيبة ترجمت كمية الحقد الدفين الذي تكنه لي،  صدمت بما سمعته فقمت بطردها على الفور من منزلي، فتوعدتني بتهديداتٍ بالغة الشدة ، أخافني وعيدها الذي جعلني أبكي على موت ثقتي بها، وصداقتنا التي كنت أتمنى دوامها، عادت مجددًا بعد ساعة معتذرةً متعللةً بأشياء تافهة ولا أدرى كيف صدقتها ؟! دخلت أمامها الي منزلي وتبعتني بخطوتين، بعدها هُشم إبريقًا على رأسي، وقعت فاقدة الوعي، لا أدري ما حدث بعدها، الى أن أصبح الصباح وجدت جثة لصديقة لنا، أعرفها جيدًا، ممددة قربي والدماء تغطي ملابسها بينما انا حاملة مسدس بيدي، صرخت بأعلى صوتي، كدت أفقد صوابي عندما اقتحمت شرطة الجنايات بيتي، وكبلتني بأصفاد المجرمين، لم يسمعني أحد، لم أجد من يدافع عني، كل الأدلة ضد حريتي، كل من شَهِدَ الحفل، شهد لصالح صديقتي الغدارة التي دبرت لي كل هذه المكيدة، في ذلك اليوم فقدت أمل العودة الى وطني منتصرة بإنجازاتي، توالت جلسات المحكمة، جلسة تلو الأخرى، حتى جاءت الجلسة الأخيرة ناطقة بالحكم الأخير دون رأفة، كنت أتصبب عرقًا، تتعارك أفكاري وأنا أرى سنوات عمري تحكم بواحد من إثنين، الإعدام أو السجن المؤبد، كنت كَمَنْ يُخير بين الموت والنار وكلاهما جحيم.


    *الجزء الثالث والأخير
    *تاريخ الرفع: 6/2/2020
    *الموافق عدديا: 1.1.28أدبي


    نطق القاضي بحكم المؤبد، جثوت منهزمة ضعيفة، ضائعة في حظي وقدري الكئيب، بكيت كثيرًا محاولًة اثبات براءتي بصوتي، لكن هيهات، كان صوتي مبحوح لا يصل الى أذان العدالة في ذلك البلد الظالم، يا للألم! كان كل ذلك هلوسة بنطق الحكم، وأحمدك يا الله أنها كانت مخاوف عقلي الباطن، ما جعلني أستيقظ صوت خطى حارس السجن، استيقظت وقلبي يخفق خوفًا من بقايا ما حلمت به، ما زلت أرى القاضي ينطق بنهايتي، ولا مهرب من القضاء، سُمح لي صباحًا بأخذ حمام دافىء لأجهز نفسي لمحكمتي الأخيرة، توضأت وصليت كثيرًا، رفعت يدي منادية عدالة الله، طالبة الإنصاف والثبات، ثبتني يا ربي لأتجاوز ما ينتظرني، نهضت من قبلة الصلاة مطمئنة، حاملة بداخلي أمل  الله ثم حديث المحامي الذي تولى أمر قضيتي دون مقابل، صدقني بعد أن سمع قصتي، اذكر أنه قال لي سننتصر باذن الله، ما جعلني أصمد حتى الأن أن الخير ما زال موجود في قلوب الناس، وما زالت النخوة تنبض بداخل كل من يعرف الله جلَّ جلاله، وما زلت أتذكر وعد المحامي لي برؤية أمي و أخوتي و وطني، ما زلت أبتسم كلما تخليت لبرهة أنني سأنجو وأرى وجه أمى؛ أنا الأن في طريق المحكمة، أنا الأن أرى القاضي والأصفاد وشعار العدالة، أرى بوضوح إشارة المحامي لي وهو يضع يده على قلبه كأنه يقول لي اطمئني وسننتصر بمشيئة المقتدر؛ بدأت المحاكمة وتوالت المرافعات الحادة والأدلة وبعض الخوف، أحيانًا أرتجف كلما رأيت أن موقفي هزيل أمام أدلة الغدر الزائفة، وأحيانًا يبتسم قلبي عندما يكون الموقف قوي ولصالحي، أبتسم وأقول: ربي تعلم أنني بريئة فأنصرني على الظلم والظالمين؛ حان الوقت لأخر فرصة لإثبات براءتي، حان الوقت ليكتب ما أجهله ويجهله قلبي، كان هناك دليل قوي وثغرة قانونية استغلها المحامي لضربته الأخيرة، كان ينتظر الوقت المناسب ليحدث الفرق ويغلب قوة الشر ثم يكسر شوكة من ظن أنه أقوى، كانت لحظة فاصلة حاسمة عندما عُرض تسجيل مرئي يصور كل ما حدث في تلك الليلة، كان واضحًا وضوح الشمس أنني لست قاتلة، واضح أن من كانت صديقتي هي من فعلت وضربتني على رأسي وكان هناك من يساعدها، في لمح البصر قُبض عليها من داخل المحكمة، يا لوقاحتها! بكل ثقة أتت تحضر المحاكمة وتشهد نهايتي، لكن قضاء الله عادل وهي من ستدفع الثمن هنا وفي الأخرة، بكيت كثيرًا عندما أعلن القاضي براءتي، بكيت حد الصراخ حتى جفت مقلتاي، شكرتُ الله وقلت الحمدلله الذي لم يرد هلاكي على يد من كادت كيدها ونصبت خبثها في أعين نجاحي، الحمدلله الذي جعلني أرى من ظلمني أمامي يُجر الى نفس الزنزانة التي احتضنت ماسأتي ووجعي كل الفترة المنصرمة، نفس الغرفة الضيقة ، التي كنت أنظر عبر نافذتها الصغيرة، أنتظر أملي البعيد،  دون أن أحسب الأعوام التي قضيتها بها، ولا أذكر متى أخر مرة رأيت فيها السماء، ولا أستطيع أن اسأل لماذا تم نفي إلى هذه الغرفة داخل السجن الكبير، ألم يكن السجن وحده كافيًا؟! ألم تكن دموع أمي كافية؟! تلك الدموع التي لم تنقطع في زيارتها الأولى والأخيرة، كنت أبكي وأقول: من يستطيع أن يعيدني إلي بيتي ؟! من يستطيع أن يجلب الشمس والسماء إلى وحدتي؟! من يستطيع مناداتي باسمي دون أن يقترن بكلمة (السجينة)؛  أنا الأن حرة، أستطيع أن أرى الشمس، أستطيع أن أمشي دون قيد، أستطيع أن أجري وأقفز وأطير، وغدًا أعود إلى أمي، غدًا سأنام بحضنها وسط ضحكات أخوتي وصديقاتي الصادقات، غدًا سأصل إلى وطني، أتنفس روح ترابه، وأحكي لكل شخص أعرفه أن الغربة والنجاح والمنافسة تحديات تولد لك أعداء وبغض دفين، لكن لا شيء سيوقفني عن مواصلة أحلامي، لا السجن ولا السنوات التي ضاعت مني هباءا منثورا،  سأستمر وأثبت للعالم أجمع أن الخير في قلوب اختارت الحب والعطاء، قلوب تستطيع أن تهزم كل مستحيل وتجعله ممكنًا، و بإمكانها أن تمضي إلى كل فضاءات الأمل.
    سأنسى ما حدث كله إلا وقفة المحامي الذي وقف ضد كل الإتهامات الموجهة ضد حريتي، سأتذكر ما حييت أنه وقف معي بدافع الإنسان والإنسانية، وقف معي لأنه يُدرك تمامًا أنه قرأ واجتهد لينصف كل مَنْ واجه ألسنة الظُلم الطائلة،  وليكتب نهاية لكل كيد عظيم، وكانت نهاية قصتي كيد أعظم وانتصار أعظم،  نهاية بطعم الأمل والحق وأي حق؟ إنه حق العدالة، حق الله الذي لا يُخيب رجاء ولا يغيب مهما غابت شموس الحياة، سيبقى هو الشمس الخالدة بالعدل.